كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومع كل هذا تستوجب أهمية الموضوع بحث هذه القضية بحثًا واسعًا وعميقًا.
والقضية المطروحة نقولها مع الإعتذار: هل من الصحيح أن تُستغل النساء للتلذّذ من جانب الرجال عن طريق السمع والنظر واللمس باستثناء المجامعة وأن يَكُنْ تحت تصرف جميع الرجال، أو أن تكون هذه الأُمور خاصّة لأزواجهنّ؟
إنّ النقاش يدور حول هذا السؤال: هل يجب بقاء النساء في سباق لا نهاية له في عرض أجسامهنّ، وتحريك شهوات وأهواء الرجال؟ أو يجب تصفية هذه الأُمور من أجواء المجتمع، وتخصيصها بالأُسرة والحياة الزوجية؟!
الإسلام يساند الأسلوب الثّاني. ويعتبر الحجاب جزءًا من هذا الأُسلوب، في الوقت الذي يساند فيه الغربيون والمتغربون الشهوانيون الأُسلوب الأوّل!
يقول الإسلام: إنَّ الأُمور الجنسية سواءً كانت مجامعة أو استلذاذًا عن طريق السمع أو البصر أو اللمس خاصّ بالأزواج، ومحرّم على غيرهم، لأنّ ذلك يؤدّي إلى تلويث المجتمع وانحطاطه، وعبارة {ذلك أزكى لكم} التي جاءت في الآية السابقة تشير إلى هذه المسألة.
إنّ فلسفة الحجاب ليست خافية على أحد للأسباب التالية:
1- إنّ تعري النساء وما يرافقه من تجميل وتدلل- وما شاكل ذلك- يحرك الرجال- خاصّة الشباب- ويحطّم أعصابهم، وتراهم قد غلب عليهم الهياج العصبي، وأحيانًا يكون ذلك مصدرًا للأمراض النفسية، فأعصاب الإنسان محدودة التحمّل، ولا تتمكن من الإِستمرار في حالة الهيجان؟
ألم يقل أطباء علم النفس بأنّ هذه الحالة من الهيجان المستمر سبب للأمراض النفسية؟
خاصّة إذا لاحظنا أنّ الغريزة الجنسية، أقوى الغرائز في الإنسان وأكثرها عمقًا، وكانت عبر التاريخ السبب في أحداث دامية وإجرامية مرعبة، حتى قيل: إنّ وراء كلّ حادثة مهمّة امرأة!
أليس إثارة الغرائز الجنسية لعبًا بالنار؟
وهل هذا العمل عقلاني؟
الإسلام يريد للرجال والنساء المسلمين نفسًا مطمئنة وأعصابًا سليمة ونظرًا وسماعًا طاهرين، وهذه واحدة من فلسفات الحجاب.
2- تبيّن إحصاءات موثقة ارتفاع نسب الطلاق وتفكّك الأُسرة في العالم، بسبب زيادة التعرّي، لأنّ الناس أتباع الهوى غالبًا، وهكذا يتحوّل حبّ الرجل من امرأة إلى أخرى، كلّ يوم، بل كل ساعة.
أمّا في البيئة التي يسودها الحجاب والتعاليم الإسلامية الأُخرى فالعلاقة وثيقة بين الزوج وزوجته، ومشاعرهما وحبهما مشترك.
وأمّا في سوق التعري والحرية الجنسية، حيث المرأة سلعة تباع وتشترى، أو في أقل تقدير موضع نظر وسمع الرجال، عندها يفقد عقد الزواج حرمته، وتنهار أُسس الأُسر بسرعة كانهيار بيت العنكبوت، ويتحمل هذه المصيبة الأبناء بعد أن يفقدوا أولياءهم ويفقدوا حنان الأُسرة.
3- انتشار الفحشاء وازدياد الأبناء غير الشرعين يعتبران من أنكى نتائج إلغاء الحجاب، ولا حاجة إلى إحصائية بهذا الصدد، فشواهدها ظاهرة في المجتمع الغربي، واضحة بدرجة لا تحتاج إلى بيان.
لا نقول: إنّ السبب الرئيسي في إزدياد الفحشاء والأبناء غيرالشرعيين ينحصر في إلغاء الحجاب وعدم الستر، ولا نقول: إنَّ الإستعمار المشؤوم والقضايا السياسية المخربة ليس لها دور قوي فيه، بل نقول: إن التعري من الأسباب القوية لذلك.
وكما نعلم فإن انتشار الفحشاء وازدياد الأبناء غير الشرعيين مصدر أنواع الجرائم في المجتمعات البشرية قديمًا وحديثًا.
وبهذا تتضح الأبعاد الخطرة لهذه القضية.
وعندما نسمع أنّ الولادات غير الشرعية في بريطانيا بلغت بحسب إحصائياتهم خمسمائة ألف طفل كلّ عام، وأنّ علماءها حذّروا المسؤولين من مغبة هذا الوضع، ليس لأنّه- كما يقولون- بسبب مخالفته للقضايا الأخلاقية والدينية، وإنّما بسبب الخطر الذي أوجده هؤلاء الأبناء لأمن المجتمع، فقد وجدوا أنّهم يمثّلون القسم الأعظم من ملفات القضايا الخاصّة بالجرائم.
ومن هنا ندرك أهمية هذه القضية، وأنّها كارثة حتى للذين لا يؤمنون بدين ولا يهتمون بأخلاق.
وكلّما انتشر الفساد الجنسي في المجتمعات البشرية اتّسع التهديد لهذه المجتمعات وتعاظم الخطر عليها، وقد برهنت دراسات العلماء في التربية على ظهور الأعمال المنافية للعفة، وتفشّي الإهمال في العمل والتأخر، وعدم الشعور بالمسؤولية، في المدارس المختلطة والمنشئات التي يعمل فيها الرجال والنساء بشكل مختلط.
4- قضية ابتذال المرأة وسقوط شخصيتها في المجتمع الغربي ذات أهمية كبيرة لا تحتاج إلى أرقام، فعندما يرغب المجتمع في تعري المرأة، فمن الطبيعي أن يتبعه طلبها لادوات التجميل والتظاهر الفاضح والإنحدار السلوكي، وتسقط شخصيّة المرأة في مجتمع يركز على جاذبيتها الجنسية، ليجعلها وسيلةً إعلاميّة يُروّج بها لبيع سلعة أو لكسب سائح.
وهذا السقوط يفقدها كلّ قيمتها الإنسانية، إذ يصبح شبابها وجمالها وكأنّه المصدر الوحيد لفخرها وشرفها، حتى لا يبقى لها من إنسانيتها سوى أنّها أداةٌ لإتباع شهواتِ الآخرين، الوحوش الكاسرة في صور البشر!
كيف يمكن للمرأة في هذا المجتمع أن تبرز علميًا وتسمو أخلاقيًا؟!
ومن المؤسف أن تلعب المرأة باسم الفن، وتشتهر وتكسب المال الوفير، وتنحطّ إلى حد الإبتذال في المجتمع، ليرحب بها مسيّرو هذا المجتمع المنحط خلقيًّا، في المهرجانات والحفلات الساهرة؟!
هكذا حال المرأة في المجتمع الغربي، وقد كان مجتمعنا قبل انتصار الثورة الإسلامية كذلك، ونشكر الله على إنهاء تلك المظاهر المنحطة في بلادنا بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، فقد عادت المرأة إلى مكانتها السامية التي أرادها الله لها، وها هي ذي تمارس دورًا إيجابيًا في المجتمع مع محافظتها على حجابها الإسلامي، حتى أنها ساهمت بشكل فعّال خلف جبهات الحرب بمختلف الأعمال لدعم الجبهة والجهاد في سبيل الله.
وكان هذا جانبًا من الفلسفة الحيوية لموضوع الحجاب في الإسلام. وهو ينسجم مع تفسيرنا.
الإشكال الذي يورده معارضو الحجاب:
نصل هنا إلى الإنتقادات التي يطرحها معارضو الحجاب، فنبحثها بشكل مضغوط:
1- أهم الإنتقادات التي يذكرها معارضو الحجاب أنّ النساء يشكلن نصف المجتمع، والحجاب يجعلهنّ في معزل عن المجتمع، ويكون ذلك سببًا في تأخرهنّ الثقافي، وانعدام الإستفادة من هذه الطاقات العظيمة في ازدهار الإقتصاد. وإذا شغر مكانهنّ في المنشئات الثقافية والإجتماعية أصبحن موادَّ استهلاكيّة ليست بذات جدوى للمجتمع.
إلاَّ أنّ هؤلاء المتمسّكين بهذا المنطق غفلوا عن عدّة أُمور، أو تغافلوا عنها، للأسباب التالية:
أوّلا: من الذي قال: إنَّ الحجاب الإسلامي يعزل المرأة عن المجتمع؟
لئن صعب علينا الجواب عن هذا السؤال في السابق، فما نظن أنّنا بعد قيام الجمهورية الإسلامية المباركة بحاجة إلى دليل على نهضةِ المرأة نهضة كريمةً ومشاركتها في تشييد المجتمع الإسلامي المنشود مشاركةً تحقق النفع للمرأة والأُسره والحكومة والأُمة، فهي مسؤولة في الدوائر والمصانع والمتاجر، وفي النشاط السياسي في المسيرات والمظاهرات، في الإذاعة والتلفزيون، وفي المراكز الصحيّة- خاصّة في معالجة جرحي الحرب- وفي المدارس والجامعات، حتّى في ساحة الحرب ومجاهدة العدو.
وباختصار: إنّ الواقع الإجتماعي في بلدنا خير جواب عن هذا السؤال: وإذ كنّا نتحدث في السابق عن إمكانية حدوث ذلك، فإنّنا اليوم نراه ماثلا بين أعيننا. وكما يقول الفلاسفة: خير دليل على إمكان وجود الشيء حدوثه، ولا حاجة للبرهنة على وجود الواقع.
ثانيًا: إضافة إلى ذلك، ألا تُعتبر إدارة المنزل وتربية الأبناء الأصحّاء رجال المستقبل- الذين يديرون عجلة الإقتصاد والسياسة في البلاد- عملا؟
إن الذين لا يعدّون هذه المسؤولية للمرأة أمرًا ايجابيًا جاهلون بحقيقة دور المرأة في الأُسرة وفي التربية، وفي بناء مجتمع سليم فعّال، بل لا يعترفون إلاّ بمغادرة الرجال والنساء المنازل صباحًا- كالغربيين- ليلتحقوا بالدوائر والمصانع. ويجعلون أبناءهم تحت رعاية الآخرين، في دور الحضانة، أو يغلقوا عليهم المنازل ليعيشوا في معتقل دون رعاية، حتى يعود الوالدان من العمل وقد أرهقهما التعب!
هؤلاء غافلون عن أنّ إفتقاد الأطفال للرعاية والعطف، يؤدي إلى تحطّم شخصيتهم ويعرض المجتمع إلى الخطر.
2- كما يتذرع معارضو الحجاب بادعائهم بأنّه يعوق المرأة عن نشاطها الإجتماعي ولا ينسجم مع العصر الحديث، ويقولون: كيف تحفظ المرأة حجابها وطفلها وعملها في آن واحد؟!
إنّهم غافلون عن أنّ الحجاب ليس العباءة ونحوها، بل هو غطاء الجسم، فإن تسنى للمرأة الإحتجاب بالعباءة فذلك حسن، وإلاّ كفاها غطاءُ الرأس واللباس المحتشم حجابًا. وقد لبّت نساؤنا الريفيات وخاصّة العاملات- في مزارع الرز المملوكة لعوائلهن- هذا اللباس، حيث يمارسن الحراثة والبذار والإهتمام بالزرع ثمّ حصاده، وبرهنّ عمليًّا على إمكانية محافظة المرأة على حجابها دون أن يمنع ذلك ممارستها لا شقّ الأعمال.
3- يعترض المخالفون للحجاب قائلين: إنّ الحجاب يفصل بين الرجال والنساء، ويزيد في حرص الرجال بدلا من إخماد هذا الحرص، لأنَّ المرء حريص على ما منع.
وهذه سفسطة واضحة، فلو قارن المرء بين مجتمعنا على عهد الطاغوت واليوم لتجلّى له الحقّ صريحًا، فبالأمس كان نزع الحجاب إجباريًا، واليوم يسود الحجاب الإسلامي مجتمعنا كله، والفساد كان ينتشر بالأمس في كل أنحاء البلاد، ويسيطر التسيب على معظم الأسر، ويزداد الطلاق بنسبة عالية، وترتفع نسبة المواليد غير الشرعية، وآلاف المصائب الأُخرى. ونحن لا نجزم بأنّ كل الفساد قد زال في بلادنا واقتلعت جذوره، إلاّ أنّه ممّا لا شك فيه أنّه قد انخفض بدرجة كبيرة، واستعاد مجتمعنا سلامته بدرجة كبيرة.
وإذا استمر الوضع على هذا المنوال بعون من الله، فإنّنا سنتمكن من حلّ جميع المشاكل. ويبلغ مجتمعنا مرتبة الطهارة الكاملة، ويحفظ للمرأة مكانتها الرفيعة.
2- استثناء الوجه والكفين:
هناك اختلاف في الرأي بين الفقهاء حول شمول حكم حجاب الوجه والكفين من الرسغ إلى أطراف الأصابع، أم لا؟
الكثير من الفقهاء يرى أنّ تغطية الوجه والكفين مستثنى من حكم الحجاب، في الوقت الذي أفتى آخرون بوجوب تغطيتها، أو في الأقل احتاطوا في وجوب تغطيتها، وطبيعي أنّ القول باستثناء وجوب الحجاب على الوجه والكفين هو في حالة عدم نشوب فساد، وإلاّ فيجب تغطيتها.
وهناك قرائن في الآية الشريفة تؤيد هذا الاستثناء ويؤيد الرأي الأوّل:
أ- استثناء الزينة الظاهر في الآية السابقة، سواء دلت على أنّها تقصد موضع الزينة أو الزينة ذاتها، تكشف عن عدم وجوب تغطية الوجه والكفين.
ب- إن حكم الآية السابقة بوجوب رمي أطراف خمار المرأة على طرفي الياقة يفهم منه تغطية جميع أجزاء الرأس والرقبة والصدر. ولم يتحدث هذا الحكم عن تغطية الوجه، وهذا دليل آخر على هذا الرأي.
ولإيضاح ذلك نقول: كانت بعض نساء العرب يلبسن الخمار ويرمين طرفية على الكتفين بشكل تبقى الرقبة وجزء من الصدر مكشوفين، وقد أصلح الإسلام هذه الحالة، فأمر بتغطية الرقبة والصدر برمي طرفي الخمار على جانبي ياقة الثوب، لتبقى دائرة الوجه وحدها مكشوفة.
ج- كما جاءت أحاديث إسلامية عديدة في هذا المجال تؤكّد ما ذهبنا إليه مع وجود أحاديث معارضة لها، ولكنّها ليست بتلك الدرجة من الصراحة (1)، والجمع بينهما بالقول باستحباب تغطية الوجه والكفين- عند خشية الفساد والإنحراف- أمر ممكن. كما تدل شواهد تاريخية على أنّ تغطية الوجه بقناع لم تكن عامّة في صدر الإسلام ذكر شرح مفصل فقهي وروائي عن هذه القضية في البحوث الفقهية عن النكاح.
إلاّ أنّنا نؤكّد ثانية أنّ هذا الحكم في وقت لا يؤدي إلى استغلال أو انحراف.
كما يجب القول: إنَّ استثناء الوجه والكفين من حكم الحجاب لا يعني جواز النظر بشكل عمومي من قبل الرجال، وإنّما هو نوع من التسهيلات التي مُنحت للمرأة في الحياة.
3- ما المقصود من نسائهنّ؟
ذكرنا في تفسير الآية السابقة أنّ تاسع مجموعة مستثناة بالإطلاع على زينة النساء هنّ النساء الأُخريات، وبملاحظة عبارة {نسائهنّ} ندرك أنّها تقصد النساء المسلمات، ولا يكشفن عن زينتهنّ لغير المسلمات، وفلسفة ذلك، أنّه من المحتمل أن يصفن- غير المسلمات- لأزواجهنّ ما شاهدنه من زينة النساء المسلمات. وهذا ليس عملا صائبًا من قبل المسلمات. اهـ.